24 نوفمبر 2024 | 22 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. عمر عبد الكافي لمسلمي دول المهجر: لقد أتتكم فرصة العمر أن تظهروا صورة الإسلام الحسنة

10 نوفمبر 2014

إن الوجود الإسلامي في بلاد الغرب يتطور سريعا، كمَّا وكيفا، بين من يريد من إقامته هناك استفادة مؤقتة وعابرة، وبين من يريد الاستقرار، وقد بدأ المسلمون الهجرة إلى الدول الغربية بعد منتصف القرن العشرين، أُسرا وأفراداً، بسبب ظروف شتى، ولم تكن هجرتهم إلى تلك البلاد، وتكوينهم بعد ذلك جاليات كبيرة لها انتشارها وامتدادها، نتاج تخطيط منهم أو من دولهم، بل جاء ذلك نتيجة لظروف ألمت بهم أو ببلادهم على مدار عقود، حينئذ وجد فقهاء الإسلام أنفسهم أمام ظاهرة لم تكن مألوفة من قبل، وبات من الضروري أن يدرك المسلمون فقه الأولويات والموازنات، ليستقر بهم المقام في دول الاغتراب دون منغصات أو مشاكل.  

 

    قبل أيام التقي الدكتور عمر عبد الكافي – عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – بجمع كبير من أعضاء الجالية المسلمة بفرنسا، أكد فضيلته خلال اللقاء على أن مسلمي دول المهجر ليسو دخلاء وليسوا أجانب، وإنما مواطنون مسلمون، ينبغي لهم أن يظهروا للآخر عظمة هذا الدين، وسماحته، وعلوّ همته، مشيرا إلى أن كل مسلم يجب أن يراعي أن يكون سفيرا للإسلام بين القوم، وأن يظل في نظر من حوله بلسما شافيا ومفتاحا للخير، فالعالم اليوم – على حد قول الدكتور عبد الكافي – كمثل سفينة تمخر عباب بحر متلاطم الأمواج، ولن يعود الأمن إلا بعودة الإنسانية إلى دين ربها، ولكن كيف ونحن لا نصور الإسلام أمام الآخرين تصويرا واقعيا صحيحاً؟  هنا يبرز دور فقه الأولويات، وفقه الموازنات الذي يجب أن نتعلمه، لندرك مفاهيم الإسلام الكبيرة.

 

   العبادات لك وثمرتها لمن حولك

     يقول الدكتور عبد الكافي أن القضية ليست قضية أداء شعائر فحسب، فالصلاة لك، والصوم لك، وقيام الليل لك، لكن ثمرة كل هذا يجب أن يستشعره من حولك، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، أما خلاف هذا فأنت كمن يعادي الناس، لا يُظهر المحبة والخير للآخرين، أنت ملتزم بالصلوات وبالنوافل، وبحضور مجالس العلم ، جيد، أتدري أن آيات العبادات في القرآن هي مئة وعشر وآيات من أصل ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية؟ نسبة آيات العبادات إلى آيات القرآن كلها هي واحد إلى اثنين وستين جزءا، فنحن نتفاعل في جزء واحد ونتصارع ونختلف في مسائل وفرعيات شغلتنا عقودا طويلة وعطلتنا، وهناك واحد وستين جزءا آخرين لم نوفِّهم حقهم من الاهتمام، مثل فقه المعاملات، مع المسلمين ومع غير المسلمين، أدب الحوار، وأدب الاختلاف الذي لا نفقه منه الكثير، كان الشافعي يقول :"ما جادلني أحد إلا دعوت الله أن يجعل الحق على لسانه لا على لساني" ، لأنه كان يريد الوصول إلى بر السلامة، إلى نقاط اتفاق ومساحات للتلاقي، لكن أن يعتبر الإنسان أن معه الحق المطلق، وأن الآخر هو الباطل المطلق، فهذا لا يليق بأمة الإسلام، لا ينبغي أن ننهي جدالاتنا الفقهية بقول "هذا حكم الله" ، بل الأحرى أن نقول : "هذا فهمي لمراد الله" ، "هذا ما وصل إلى علمي في حكم الله" ، فحتى الصحابة رضوان الله عليهم قد اختلفوا في تأويل بعض الآيات.

    ويرى د.عمر عبد الكافي أن هناك نوعين من المعاصي؛ معاصي جوارح، والتوبة منها سهلة يسيرة،  و معاصي القلوب، والكِبر من معاصي القلوب ، الكبر ألا أقبل رأيا آخر، لو أنت معي فأنت قديس، ولو ضدي فأنت إبليس، هذا كله لا يصح ولا يجوز،  كان إمام دار الهجرة مالك رضي الله عنه الذي ألّف وكتَب وعلَم المسلمين سنوات طوال، يقول معلقا على ما قدّم للأمة :" إن نظن إلى ظنا وما نحن بمستيقنين" ، لأن اليقين لا يعلمه إلى الله سبحانه.

 

 

    قدِّم للغرب شيئا مما قدَّمه لك

     من ناحية أخرى – يضيف عبد الكافي - يجب أن تستشعر فضل الله عليك في هذه البلاد، نعمة الأمان الاجتماعي والمالي والتقدم العلمي، وأن تحرص على أن تقدم للقوم شيئا مما قدموه لك، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والمسلم الصالح يتعاطى مع من حوله على أساس أن الآخر هو؛ إما أخ في العقيدة، يَسَعُه ما يسعُك، وإما أخٌ في الإنسانية، يجمعك معه مشترك إنساني كبير، لذا نحن نريد أن نقدم هذه الصورة عنا في بلاد المهجر حتى يدرك الناس أننا صناع حضارة، وبناة أمم، أننا أحجار بناء لا معاول هدم، أنتم في هذه البلاد قد أتتكم فرصة العمر أن تقدموا صورة حسنة لحال الإسلام الصحيح .

    بالطبع لا يجب أن يذوب المسلم في المجتمع الغربي كليةً ، يكفيه أن يتجانس ويندمج في مساحات واسعة من المشترك الإنساني، كحب العدل، وكراهية الظلم، والاستقامة، والالتزام بالقوانين، وصدق المعاملات، ينبغي أن ننبذ الخلافات والنعرات بيننا وبين بني جلدتنا، أن نتقارب ونتآلف ونترفع عن مواطن الخلاف التي حملناها معنا من أوطاننا، فإذا كان المشترك الإنساني الذي بيني وبين غير المسلمين واسع وكبير، فالمشترك بيني وبين أخي المسلم هو أوسع وأكبر.

 

     ويختتم الدكتور أنه عندئذ سينظر الآخر إلينا، كواحة طيبة للخير، وسيحترمنا مواطنو تلك البلاد ويأنسوا لنا، فهم أحوج لما عندنا مما نحن نطلب منهم، فلو حزن جارك غير المسلم إذا ما رحلت عن محل سكنك وتركت بيتك، فاعلم أنك تركت بصمة طيبة، نحن نريد أن نشرف الإسلام، نريد أن نوضح أن هذا الدين ليس فيه كذاب، أو متحايل على القانون، أو خائن للأمانة، ينبغي أن نكون بحق دعاة لله بأخلاقنا.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت